هل تنام الأسماك؟
- النوم شامل لكل أصناف الحيوان؛ لأنه من حاجيات الحياة الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها؛ حتى لقد يستغني الحيوان عن الطعام ولا يستغني عن الرقاد، ولا يقتصر ذلك على الأسماك أو الطيور أو ذوات الثدي، ولكنه يتناول الهوام الصغيرة والحيوانات البحرية الدنية. وهو متسلط أيضًا على عالم الميكروب الحيواني حتى الكريات الحيوية الأصلية (البروتوبلاسما) فإنها خاضعة لذلك السلطان.
- يزعم بعض العلماء أن النبات أيضًا ينام، وقد لاحظ ذلك العلامة لينيوس النباتي الشهير، وكتب فيه فصولًا ضافية بيَّن فيها اختباره الشخصي؛ فذكر نباتات تنام نومًا عميقًا تتغير فيه هيأتها حتى لا يستطاع معرفة حقيقتها، فإن بعضها إذا أمسى المساء طوت أوراقها وأطبقت أزهارها كما يطبق الإنسان أجفانه، وقد تفعل ذلك في أثناء النهار، ذبلت أغصانها وتدلت نحو الساق كما يرخي (لنعاس) والبعض الآخر إذا غلب عليها الإنسان أطرافه في نومه الثقيل، ومن غريب ما ذكره همبولد عن نباتات مغدلينا (في شمالي كولمبيا بأميركا) أنها لا تفيق من رقادها إلا متأخرة، كأن الكسل قد ساد على نبات تلك البلاد كما ساد على سكانها!
- مهما قيل في غرابة هذا الرأي وبعده، فإنه يدل على أن الراحة التامة ضرورية لكل حي، وهي لا تكون إلا بالرقاد.
- لكن الأحياء تختلف في كيفية نومها ومقداره وزمانه، فبعضها إذا نام أغمضأجفانه وتوسد كالإنسان ومعظم أنواع الحيوان، والبعضالآخر ينام وهو واقف كالخيل والحمير، وبعضها ينام وعيناه مفتوحتان، والطيور إذا نامت أخفت رءوسها تحت أجنحتها وظلت واقفة على الأغصان أو الأحجار، وأما الأسماك فإنها تنام إما طافية على سطح الماء، وإما غائصة في قاعه أو سابحة في وسطه، ودليل نومها السكون التام، ولو كانت عيونها مفتوحة وبعضها يتوسد الرمال أو الصخور أو يتخلل الأعشاب المائية.
- تتفاوت الحيوانات في مواقيت النوم وأكثرها ينام ليلًا ويعمل نهارًا، ولكن بعضها ينام في النهار ويعمل في الليل، كالحيوانات المفترسة والجوارح التي تطلب رزقها ليلًا، ويغلب في الحيوانات الكبرى أن تطلب الرقاد بعد الطعام، وبعض الحيوان ينام ساعة أو بعض الساعة، والبعض الآخر ينام أيامًا أو أسابيع أو أشهرًا مما لا محل لتفصيله هنا.
- الخلاصة أن الأسماك تنام كسائر الحيوانات، وأما سبب اعتقاد العامة عدم نومها، فالظاهر أنهم قاسوه بنوم الناس فرأوها لا تبرح سابحة في الماء نهارًا وليلًا وأعينها مفتوحة، فظنوا أنها لا تنام وضربوا المثل بذلك.
المراجع: عجائب المخلوقات - تأليف جرجي زيدان - الناشر مؤسسة هنداوي - طبعة 2020